إن استكشاف عملية التفكير واتخاذ القرارات وفهم فلسفتها تعود لعصور الفلاسفة الإغريق مثل أرسطو و من الملاحظ أن عملية التصميم المعماري هي عملية معقدة ومتشابكة وتحتاج إلى فهم عميق ومتوازن للوصول إلى تصاميم أفضل من ناحية الجودة الكلية و القدرة الإبداعية .
وفي مجال التصميم المعماري نجد أن جميع المصممين يتعرضون للكثير من التجارب التي تثري إدراكهم المعرفي ,ومن هذه التجارب المثيرة للاهتمام والجدل في الأوساط المعمارية نلاحظ أن المسابقات المعمارية تستحوذ على النصيب الأكبر من هذا الاهتمام وذلك لأسباب متعددة منها أن هذه المسابقات تضخّم وتظهر الفروق البسيطة بين مجموعة المصممين اللذين قاموا ببذل أقصى جهودهم للفوز بالمسابقة والتميز عن الآخرين , ونجد في الغالب أن مجموعة المصممين المتقدمين للمسابقة هم من بيئات مختلفة ومتباينة ولكن في الناتج لا نجد من المشاريع المقدّمة إلا مشروعا واحداً أو مشروعين يبرزان بين هذه المشاريع أو يتصفان بالإبداع في طرح أفكار المشروع والذي يعطيهما هذه الأفضلية النسبية عن باقي المشاريع المتقدمة للمسابقة.
ولفهم هذه الظاهرة لابد لنا أن نتوصل إلى فهم أفضل وأعمق لطريقة توصلهما إلى هذه الحلول الإبداعية مع أن العوامل الخارجية المؤثرة على التصميم بالنسبة إليهم مثل:
العامل الزمني ,الميزانية,طبيعة الموقع,متطلبات المالك,المحددات من الاستشاري,القوانين الحكومية كانت موحدة بالنسبة لجميع المصممين , ولكن بالمقابل نجد أن العوامل الداخلية مثل:
الخبرة الشخصية والتعليم والعادات والتقاليد كانت هي العامل الذي كان له التأثير الأكبر على عملية اتخاذ القرارات التصميمية مع أنها (أي العوامل الداخلية) تزيد من كمية القيود المفروضة على المصمم حيث يعتبر أن بعض المعلومات والخبرات التي اكتسبها على مر الزمن هي من المسلمات وبذلك لا يعطيها الوقت الكافي من التفكير والتمحيص للمعلومة وبذلك يكون قد ابتعد عن الحلول الخلاقة والإبداعية عند اتخاذه للقرارات لمشكلة تصميمية محددة.
والتفكير الإبداعي يتطلب من المصمم التخلص من هذه القيود التي تحد من قدراته على الإبداع (التفكير خارج الصندوق) وبذلك يسهل على المصمم الوصول إلى أفكار أكثر تميزاً وتفرداً في تعاملها مع عملية إيجاد وابتكار الحلول.
ومن الوسائل التي تسهل على المصمم الوصول لهذا الإنعتاق من القيود نجد أن المصمم لابد أن يكون جريئاً عند طرحه لهذه الأفكار ومناقشتها مع أشخاص من خلفيات وثقافات متعددة ومتنوعة للخروج من الصندوق في نظرته وتحليله لماهية المشكلة قبل أن يبدأ في طرح الحلول المبنية على قرارات سابقة ومبنية على حالات مشابهة إلى حد بعيد للحالة التي تواجهه .
من الملاحظ وبشكل واضح أن المصممين الذين يفكرون في طريقة حل المشكلة ويضعونها في أولوياتهم وفي محور تركيزهم عند اتخاذهم لقراراتهم التصميمية الحاسمة لا يخرجون بحلول إبداعية بعكس المصممين الذين ينظرون للمشكلة من الخارج ويحاولون تحليلها بمنظور اشمل وأعم قبل البدء باتخاذهم للقرارات التصميمية.
ونجد أن هذين النوعين من المصممين لا يختلفون في طريقة حلّهم للمشكلة التصميمية فحسب بل وتختلف درجة تمسكهم بالقاعدة المعرفية المختزنة لديهم, فكلما استطاع المصمم المعماري الابتعاد عن القيود استطاع إنتاج تصاميم تتصف بالإبداعية.
وبالمقابل لا يستطيع المصمم الابتعاد عن هذه القواعد والقوانين و المحددات لعملية اتخاذ القرارات التصميمية إلا إذا اكتسب الخبرات الكافية واللازمة التي تؤهله لاتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة دون أن يخل بجوهر العملية التصميمية.
ختاماً نستنتج أن المعماري المصمم يتوجب عليه أن يوازن بين خبراته المكتسبة
ومعارفه العامة وبين خروجه المتعمد عن ماهو مألوف أو ما يعتبر من المسلمات والقواعد المتبعة في الأوساط المعمارية لكي يصل إلى الإبداع المعماري .